إذا أردت أن تعرف الرأي في فنان أنصحك لا تسأل الفنان عن رأيه في فنان.. سوف تجد أن هذا الرأي إما مغلف بالغيرة التي تنبت لها مخالب قاتلة أو الكراهية العمياء التي لا ترى سوى اللون الأسود أو الحب الأعمى الذي لا يبقي على شيء سوى اللون الأبيض وفي الحالات الثلاثة لن تصل إلى الحقيقة.. عدد قليل جداً من الفنانين من الممكن أن تجد لديهم رأي يعبر عن قناعتهم ومن هؤلاء "وردة" شاهدتها في برنامج "تاراتاتا" بقناة "دبي" في حلقة أعتقد أنه يعيد عرضها سألها المذيع عن الفارق بين "عبد الوهاب" و "بليغ حمدي" قالت "عبد الوهاب" أستاذ وعبقري وترزي أما "بليغ" فإنه تلقائي!
أراد المذيع أن يستوضح الفارق بين "الترزي" و "التلقائي" أشارت إلى ملابسها وقالت "عبد الوهاب" هو الترزي الشاطر الذي يستطيع أن يضع قطعة من هنا وقطعة من هناك بتفاصيل صغيرة يمزجها معاً يقدم فستان رائع.. "بليغ حمدي" يأتي له الإلهام السماوي ينعم الله عليه بأنغام من السماء.. لا تعرف الفنانة الكبيرة "وردة" أن "عبد الوهاب" كان يرى في "بليغ" رؤية قريبة مما ذكرته فكان يقول أن "بليغ" كثيراً ما تأتي إليه جمل موسيقية عبقرية تنهال عليه.. إلا أنه يضيف أن "بليغ" كثيراً ما يستعجل ويصدر هذه النغمات كما هي بدون أن يضيف إليها ويعدل فيها.. يقدمها "بعبلها" كما نقول في اللهجة المصرية!
تحمل كلمات "عبد الوهاب" كل ما تقوله "وردة" في النصف الأول لكنها في الثاني تنفي عنه أشياء رائعة لم تكن "وردة" بحاجة لكي تذكرها لأن إبداع "بليغ حمدي" الموسيقي لا يزال حاضراً وبالأرقام.. "عبد الوهاب" رحل عام 1991 و "بليغ حمدي" بعده بعامين لو عدنا إلى أرقام جمعية المؤلفين والملحنين وتابعنا الأداء العلني الذي يعبر عن تداول الأغاني في الأسواق على الكاسيت والسي دي وأيضاً مختلف الإذاعات والقنوات التليفزيونية سوف تكتشف أن "بليغ حمدي" يحقق الرقم الأعلى في الربع قرن الأخير.. البعض يقول أن الإبداع ليس رقم في شباك التذاكر أو في منافذ البيع أوافق على هذا الرأي إلا أننا أيضاً في نفس الوقت من الممكن أن نرى الرقم من زاوية أخرى هذه المرة وهي أن هذه الألحان عاشت أي أن بها عمق إبداعي حقيقي منحها حياة مع الناس والدليل أن أفضل عشرة ألحان عاشت مع الناس من غناء "أم كلثوم" – أيضاً بالأرقام – تجد أن "بليغ حمدي" له من بينها 6 ألحان وهي "سيرة الحب" ، "بعيد عنك" ، "الحب كله" ، "ألف ليلة وليلة" ، "فات الميعاد" ، "أنساك" وبعض هذه الألحان عمرها 50 عاماً وهذا يعني أن الأرقام تحمل رأياً أيضاً إنه رأي الزمن.. لو قلنا أن "عبد الوهاب" هو مزيج من الممكن أن تحيله إلى هذه المعادلة كثير من الصنعة الموسيقية قليل من الإلهام بينما "بليغ" هو كثير من الإلهام قليل من الصنعة.. هذا هو رأيي لكن "وردة" امتلكت تعبير أحلى وأكثر دلالة عندما وصفت "عبد الوهاب" بالترزي و "بليغ" بالتلقائي!