سواء بعد عام أو شهر أو أسبوع - وربما غدا - سيختلف الأمر كثيراً في حال علمت بموعد وفاتك.. فمن أعظم نعم الله علينا جهلنا بموعد وفاتنا - وبالتالي - عيشنا وتصرفنا وكأننا سنعيش إلى الأبد.. وهذا بحد ذاته ليس أمرا سيئاً كون شعورنا بالبقاء والديمومة هو ما يحفزنا على الحلم، والبناء، والتطوير، والادخار، والاستثمار في سوق الأسهم السعودية.. وفي المقابل ستصغر في أعيننا أشياء كثيرة - وتتبخر طموحاتنا في طرفة عين - في حال أخبرنا الطبيب بموعد وفاتنا المتوقع (ولا أذكر أنني فرحت في حياتي مثلما حدث حين اكتشفت أن طبيبا غبيا خلط بين ملفي وملف مريض يعاني من مشكلة خطيرة في القلب)!.
ورغم هذا لا يمكن تجاهل أن الأطباء هم أكثر الناس علما وتخمينا بقضايا الوفاة المبكرة وتوقع وفاة بعض المرضى دون الحاجة لإخبارهم بذلك . فهناك مثلا أمراض كثيرة ومعروفة ترتفع فيها نسبة الوفاة لأكثر من 95% (مثل الطاعون الأسود وفيروس إيبولا وبعض السرطانات الخبيثة(.. وفي المقابل تختلف ردود فعل الناس بحسب خلفيتهم الثقافية ومعتقداتهم الدينية ومواقفهم الشخصية وفلسفتهم في الحياة.. فهناك من سيتوقف عن الخطايا ويستغفر، وهناك من سيتوقف عن العمل ويستمتع، وهناك من سيدفن الابتسامة ويكتئب، وهناك من سيستمر في العيش بهدوء وسكينة، في حين لن يتردد البعض في غرس الفسيلة التي يحملها في يده..
... وأذكر أنني قرأت قصة حقيقية (تحولت لاحقا إلى فيلم) عن أب توقع الأطباء وفاته بعد عدة أشهر . ولأن ابنه الوحيد لم يتجاوز الثالثة من العمر اشترى كاميرة فيديو وبدأ يصور عشرات النصائح والإرشادات التي يمكن لأي أب أن يخبر بها ابنه لاحقا وكتب على كل شريط العمر الذي يجب أن يعرض فيه !!
وأذكر أيضا أن أوبرا وينفري (المذيعة الأمريكية المعروفة) استضافت عددا من الأشخاص الذين توقع الأطباء وفاتهم بعد زمن معين نتيجة أمراض خطيرة.. وكان من بينهم استاذ جامعي أصيب بسرطان البنكرياس توقع الأطباء وفاته بعد ستة أشهر . وبدل أن يتخذ موقفا سلبيا من حالته استقال من عمله وأصبح يقدم محاضرات عن المرض وعن تجربته وشعوره بالنهاية..
أما مجلة شتيرن الألمانية فطرحت على قرائها في فبراير الماضي سؤالا مفاده "ماذا تفعل لو توقع الأطباء وفاتك بصورة مؤكدة؟" فقال 47% منهم إنهم سيقضون حياتهم كالمعتاد، وقال 36% إن حياتهم ستنقلب رأسا على عقب، وقال 31% إنهم سيهتمون بتصفية "حساباتهم القديمة"، في حين قال 16% إنهم سيقدمون الكثير من الأعمال الخيرية ... (في حين أكد معظم الشباب أنهم لن يحرموا أنفسهم من أي متعة خلال الفترة المتبقية)!!.
... وبصرف النظر عن المواقف الشخصية للأفراد - وشعوب العالم المختلفة - فإن مجرد افتراض تواجدنا في ظرف كهذا كفيل بتغيير أولوياتنا وطريقة تفكيرنا ونظرتنا للحياة ...
ومثلما فعلت مجلة شتيرن مع قرائها لن أتردد في وضعكم في مثل هذا "الظرف" وسماع إجاباتكم عن السؤال التالي :
- ماذا لو توقع الأطباء وفاتك بعد عام؟
.. ماذا ستفعل.. وكيف ستتغير.. وممن ستعتذر.. وما الذي ستنجزه بعد طول تأخير !؟.