كبرياء امرأة
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تستمع لكلمات الطبيب الذي انتهى لتوه من الكشف عليها وهو يقول بأنها بحاجة إلى عملية جراحية مستعجلة , فلأمر لا يقبل التأجيل ,.
وهي تعرف حق المعرفة حال زوجها "حسن" الذي لا يجد من المال سوى قوت يومه, زوجها عامل عادي يخرج كل صباح يقف مع عشرات العمال في ساحة المدينة بانتظار رزقه الذي يأتيه يوما مع أحد الرجال الموسرين الذين يحتاجون لعامل يحفر حفرة أو ينقل حجرا أو يصلح في بيته جزءا بحاجة إلى اصلاح , وأحيانا يبقى عدة أيام بلا عمل , لاحظ الزوج الدموع في عينيها , اسودت الدنيا في عينيه , هاهي زوجته "منيرة" التي تقف دائما إلى جانبه تواسيه أيام محنته بكلامها الجميل , مهونة عليه ما يلاقيه من صعوبة في إيجاد عمل يستر حاجتهم, فتجعل من بيتها المتواضع واحة غناء تغسل كل همومه وتريحه من عناء البحث وعناء العمل فيجد فيه السعادة والطمأنينة, بحاجة إلى من يواسيها , إلى من يقف إلى جانبها , هو مستعد لذلك ولا يبخل به أبدا , فهو مستعد أن يحملها بين راحتيه, أن يقدم لها حياته لو كان ذلك يكفي , ولكن المطلوب هو أكثر من الوقوف إلى جانبها أوحملها ومواساتها .
بدأ يعصر ذاكرته عله يجد منقذا يقدم له ذلك المبلغ الكبير من المال حتى يستطيع إنقاذ زوجته, المبلغ ليس كبيرا , ولكنه بنظره يعادل الملايين , وكل الذين يعرفهم حالهم كحاله , فلا يمكن لهم مساعدته . وأخيرا وبعد طول تفكير , لمعت بذهنه فكرة , فقد تذكر شقيق زوجته "ماهرا"
فهو ماهر في كل شيء, لم تمض على استلام وظيفته الجديدة أشهر إلا وأصبح من الأثرياء, سيارة جديدة وبيت كبير , وأثاث فاخر , ومزرعة في أطراف المدينة كتب على مدخلها بخط كبير " هذا من فضل ربي ".
أسرع الزوج إلى بيت "ماهر" قرع الجرس فجاءه الصوت عبر (الانترفون) من الطارق؟.
فأجاب : أنا " حسن " جئتك طالبا خدمة .
فتح الباب ودخل "حسن" ووقف بجانب الباب , ولم يقل له ماهر": تفضل, بل : نعم ! ما حاجتك؟
- أختك "منيرة" الآن في المستشفى وبحاجة إلى المال لإجراء عملية جراحية مستعجلة وإنشاء الله سارده لك فور توفره معي
تمتم ماهر في سره : ومتى سيتوفر مع واحد منتوف مثلك؟
ونظر إليه مليّا ثم قال : لا يتوفر معي الآن سوى هذا المبلغ , وأنت تعلم بأنني لاأملك سيولة نقدية , خذه ودبّر حالك به .
أخذه " حسن" على مضض وعاد مسرعا إلى المستشفى.
وطلب من الطبيب أن يجري العملية حالا.
استغربت منيرة من أين حصل على المال , فأخبرها بأنه استدانه من ماهر.
تذكرت "منيرة" “ماهرا” عندما كانا صغيرين , حيث كانا يذهبان إلى المدرسة سويا, وكانت متفوقة عليه في دراستها,لكنّ أباها أجبرها على ترك المدرسة لمساعدة أمها في أعمال البيت ولكي يتابع أخوها دراسته ، حيث كانت تذهب إلى الحقول مع الصباح الباكر ولا تعود إلا مع المساء , وكانت تقوم بكل أعمال البيت حيث كانت تغسل الثياب بيديها وتنقل الحطب وتعجن العجين مساءً , لتقوم بخبزه مع الفجر قبل الذهاب للحقول , وكانت أجرتها تذهب للأستاذ "ماهر" كما كان يدلعه أبوه.
و"ماهر" لم يخبرهم حتى بزواجه .ففي أحد الأيام رأت ابن جيرانهم في القرية المجاورة وهو صديق ل"ماهر",سألته عن ماهر, فأخبرها بأنه تزوج , فكم كانت غصة في حلقها أن يتزوج الأستاذ ولا ترقص بفرحه أو حتى تزغرد فوق رأس عروسه. وعلى الرغم من ذلك طار قلبها من الفرح .
سالت الدموع من عينيها وهي تتذكر مواقف أخيها , وجفاءه تجاهها , ولا حتى مجرد السؤال عنها . تذكرت عروسه حين زارته أول مرة بعد زواجه حيث قابلتها الزوجة بجفاء واضح وبعد مدة ليست بالقصيرة حتى جاءها فنجان قهوة شربته على عجل حين قالت الزوجة : هيا يا ماهر لدينا موعد ! .
عندها اضطرت منيرة للخروج عائدة وهي لا تدري ماذا تفعل.
نادت "حسن" وطلبت منه أن يعيد المال إلى أخيها قائلة : أنا لا أقبل أبدا أن أجري عملية جراحية في جسمي بمال حرام ومن أخ ناكر للجميل وناسيا كلّ ما فعلته من أجله .
لملمت أغراضها وخرجت شامخة رافعة الرأس على الرغم من آلامها